الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الطبري المسمى بـ «جامع البيان في تأويل آي القرآن» ***
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالصَّافَّاتِ صَفًّا فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: أَقْسَمَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ بِالصَّافَّاتِ، وَالزَّاجِرَاتِ، وَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا، فَأَمَّا الصَّافَّاتُ: فَإِنَّهَا الْمَلَائِكَةُ الصَّافَّاتُ لِرَبِّهَا فِي السَّمَاءِ وَهِيَ جَمْعُ صَافَّةٍ، فَالصَّافَّاتُ: جَمْعُ جَمْعٍ، وَبِذَلِكَ جَاءَ تَأْوِيلُ أَهْلِ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي سَلْمُ بْنُ جُنَادَةَ، قَالَ: ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ مُسْلِمٍ، قَالَ: كَانَ مَسْرُوقٌ يَقُولُ فِي الصَّافَّاتِ: هِيَ الْمَلَائِكَةُ. حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ أَبِي إِسْرَائِيلَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، بِمِثْلِهِ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {وَالصَّافَّاتِ صَفًّا} قَالَ: قَسَمٌ أَقْسَمَ اللَّهُ بِخَلْقٍ، ثُمَّ خَلْقٍ، ثُمَّ خَلْقٍ، وَالصَّافَّاتُ: الْمَلَائِكَةُ صُفُوفًا فِي السَّمَاءِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، فِي قَوْلِهِ (وَالصَّافَّاتِ) قَالَ: هُمُ الْمَلَائِكَةُ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ {وَالصَّافَّاتِ صَفًّا} قَالَ: هَذَا قَسَمٌ أَقْسَمَ اللَّهُ بِهِ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ {فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا} فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هِيَ الْمَلَائِكَةُ تَزْجُرُ السَّحَابَ تَسُوقُهُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ {فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا} قَالَ: الْمَلَائِكَةُ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، فِي قَوْلِهِ: {فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا} قَالَ: هُمُ الْمَلَائِكَةُ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ ذَلِكَ آيُ الْقُرْآنِ الَّتِي زَجَرَ اللَّهُ بِهَا عَمَّا زَجَرَ بِهَا عَنْهُ فِي الْقُرْآنِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ {فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا} قَالَ: مَا زَجَرَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْقُرْآنِ. وَالَّذِي هُوَ أَوْلَى بِتَأْوِيلِ الْآيَةِ عِنْدَنَا مَا قَالَ مُجَاهِدٌ، وَمَنْ قَالَ هُمُ الْمَلَائِكَةُ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ، ابْتَدَأَ الْقَسَمَ بِنَوْعٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، وَهُمُ الصَّافُّونَ بِإِجْمَاعٍ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ، فَلِأَنْ يَكُونَ الَّذِي بَعْدَهُ قَسَمًا بِسَائِرِ أَصْنَافِهِمْ أَشْبَهُ. وَقَوْلُهُ {فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا} يَقُولُ: فَالْقَارِئَاتُ كِتَابًا. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْمَعْنِيِّ بِذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُمُ الْمَلَائِكَةُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ {فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا} قَالَ: الْمَلَائِكَةُ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ {فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا} قَالَ: هُمُ الْمَلَائِكَةُ. وَقَالَ آخَرُونَ: هُوَ مَا يُتْلَى فِي الْقُرْآنِ مِنْ أَخْبَارِ الْأُمَمِ قَبْلَنَا.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا} قَالَ: مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْقُرْآنِ مِنْ أَخْبَارِ النَّاسِ وَالْأُمَمِ قَبْلَكُمْ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ}. يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ: {إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ} وَالصَّافَّاتِ صَفًّا إِنَّ مَعْبُودَكُمُ الَّذِي يَسْتَوْجِبُ عَلَيْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ الْعِبَادَةَ، وَإِخْلَاصَ الطَّاعَةِ مِنْكُمْ لَهُ لَوَاحِدٌ لَا ثَانِيَ لَهُ وَلَا شَرِيكَ. يَقُولُ: فَأَخْلِصُوا الْعِبَادَةَ وَإِيَّاهُ فَأَفْرِدُوا بِالطَّاعَةِ، وَلَا تَجْعَلُوا لَهُ فِي عِبَادَتِكُمْ إِيَّاهُ شَرِيكًا. وَقَوْلُهُ {رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا} يَقُولُ: هُوَ وَاحِدٌ خَالِقُ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَمَا بَيْنَهُمَا مِنَ الْخَلْقِ، وَمَالِكُ ذَلِكَ كُلِّهِ، وَالْقَيِّمُ عَلَى جَمِيعِ ذَلِكَ، يَقُولُ: فَالْعِبَادَةُ لَا تَصْلُحُ إِلَّا لِمَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ، فَلَا تَعْبُدُوا غَيْرَهُ، وَلَا تُشْرِكُوا مَعَهُ فِي عِبَادَتِكُمْ إِيَّاهُ مَنْ لَا يَضُرُّ وَلَا يَنْفَعُ، وَلَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَلَا يُفْنِيهِ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي وَجْهِ رَفْعِ رَبُّ السَّمَاوَاتِ، فَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ، رُفِعَ عَلَى مَعْنَى: إِنَّ إِلَهَكُمْ لَرَبُّ. وَقَالَ غَيْرُهُ: هُوَ رَدٌّ عَلَى" {إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ} " ثُمَّ فَسَّرَ الْوَاحِدَ، فَقَالَ: رَبُّ السَّمَاوَاتِ، وَهُوَ رَدٌّ عَلَى وَاحِدٍ. وَهَذَا الْقَوْلُ عِنْدِي أَشْبَهُ بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ، لِأَنَّ الْخَبَرَ هُوَ قَوْلُهُ (لَوَاحِدٌ)، وَقَوْلُهُ (رَبُّ السَّمَاوَاتِ) تَرْجَمَةٌ عَنْهُ، وَبَيَانُ مَرْدُودٍ عَلَى إِعْرَابِهِ. وَقَوْلُهُ (وَرَبُّ الْمَشَارِقِ) يَقُولُ: وَمُدَبِّرُ مَشَارِقِ الشَّمْسِ فِي الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ وَمَغَارِبِهَا، وَالْقَيِّمُ عَلَى ذَلِكَ وَمُصْلِحُهُ، وَتَرَكَ ذِكْرَ الْمَغَارِبِ لِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ، وَاسْتُغْنِيَ بِذِكْرِ الْمَشَارِقِ مِنْ ذِكْرِهَا، إِذْ كَانَ مَعْلُومًا أَنَّ مَعَهَا الْمَغَارِبَ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ} وَقَعَ الْقَسَمُ عَلَى هَذَا إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ {رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ} قَالَ: مَشَارِقُ الشَّمْسِ فِي الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَوْلُهُ {رَبُّ الْمَشَارِقِ} قَالَ: الْمَشَارِقُ سِتُّونَ وَثَلَاثُ مِئَةُ مَشْرِقٍ، وَالْمَغَارِبُ مِثْلُهَا، عَدَدُ أَيَّامِ السَّنَةِ وَقَوْلُهُ {إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ} اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ {بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ} فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ وَبَعْضُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ بِزِينَةِ الْكَوَاكِبِ بِإِضَافَةِ الزِّينَةِ إِلَى الْكَوَاكِبِ، وَخَفْضِ الْكَوَاكِبِ {إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا} الَّتِي تَلِيكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَهِيَ الدُّنْيَا إِلَيْكُمْ بِتَزْيِينِهَا الْكَوَاكِبَ: أَيْ بِأَنْ زَيَّنَتْهَا الْكَوَاكِبُ. وَقَرَأَ ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ {بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ} بِتَنْوِينِ زِينَةٍ، وَخَفْضِ الْكَوَاكِبِ رَدًّا لَهَا عَلَى الزِّينَةِ، بِمَعْنَى: إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ هِيَ الْكَوَاكِبُ، كَأَنَّهُ قَالَ: زَيَّنَّاهَا بِالْكَوَاكِبِ. وَرُوِيَ عَنْ بَعْضِ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ أَنَّهُ كَانَ يُنَوِّنُ الزِّينَةَ وَيَنْصُبُ الْكَوَاكِبَ، بِمَعْنَى: إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِتَزْيِينِنَا الْكَوَاكِبَ. وَلَوْ كَانَتِ الْقِرَاءَةُ فِي الْكَوَاكِبِ جَاءَتْ رَفْعًا إِذْ نُوِّنَتِ الزِّينَةُ، لَمْ يَكُنْ لَحْنًا، وَكَانَ صَوَابًا فِي الْعَرَبِيَّةِ، وَكَانَ مَعْنَاهُ: إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِتَزْيِينِهَا الْكَوَاكِبُ: أَيْ بِأَنْ زَيَّنَتْهَا الْكَوَاكِبُ وَذَلِكَ أَنَّ الزِّينَةَ مَصْدَرٌ، فَجَائِزٌ تَوْجِيهُهَا إِلَى أَيِّ هَذِهِ الْوُجُوهِ الَّتِي وُصِفَتْ فِي الْعَرَبِيَّةِ. وَأَمَّا الْقِرَاءَةُ فَأَعْجَبُهَا إِلَيَّ بِإِضَافَةِ الزِّينَةِ إِلَى الْكَوَاكِبِ وَخَفْضِ الْكَوَاكِبِ لِصِحَّةِ مَعْنَى ذَلِكَ فِي التَّأَوُّلِ وَالْعَرَبِيَّةِ، وَأَنَّهَا قِرَاءَةُ أَكْثَرِ قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ وَإِنْ كَانَ التَّنْوِينُ فِي الزِّينَةِ وَخَفْضِ الْكَوَاكِبِ عِنْدِي صَحِيحًا أَيْضًا. فَأَمَّا النَّصْبُ فِي الْكَوَاكِبِ وَالرَّفْعُ، فَلَا أَسْتَجِيزُ الْقِرَاءَةَ بِهِمَا، لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنَ الْقُرَّاءِ عَلَى خِلَافِهِمَا، وَإِنْ كَانَ لَهُمَا فِي الْإِعْرَابِ وَالْمَعْنَى وَجْهٌ صَحِيحٌ. وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ إِذَا أُضِيفَتِ الزِّينَةُ إِلَى الْكَوَاكِبِ، فَكَانَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ يَقُولُ: إِذَا قُرِئَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَلَيْسَ يَعْنِي بَعْضَهَا، وَلَكِنَّ زِينَتَهَا حُسْنُهَا، وَكَانَ غَيْرُهُ يَقُولُ: مَعْنَى ذَلِكَ: إِذَا قُرِئَ كَذَلِكَ: إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِأَنَّ زِينَتَهَا الْكَوَاكِبُ. وَقَدْ بَيَّنَّا الصَّوَابَ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا. وَقَوْلُهُ (وَحِفْظًا) يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: (وَحِفْظًا) لِلسَّمَاءِ الدُّنْيَا زَيَّنَّاهَا بِزِينَةِ الْكَوَاكِبِ. وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي وَجْهِ نَصْبِ قَوْلِهِ (وَحِفْظًا) فَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ: قَالَ وَحَفِظًا، لِأَنَّهُ بَدَلٌ مِنَ اللَّفْظِ بِالْفِعْلِ، كَأَنَّهُ قَالَ: وَحَفِظْنَاهَا حِفْظًا. وَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْكُوفَةِ: إِنَّمَا هُوَ مِنْ صِلَةِ التَّزْيِينِ أَنَا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا حِفْظًا لَهَا، فَأَدْخَلَ الْوَاوَ عَلَى التَّكْرِيرِ: أَيْ وَزَيَّنَّاهَا حِفْظًا لَهَا، فَجَعَلَهُ مِنَ التَّزْيِينِ، وَقَدْ بَيَّنَّا الْقَوْلَ فِيهِ عِنْدَنَا. وَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ: وَحِفْظًا لَهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ عَاتٍ خَبِيثٍ زَيَّنَّاهَا. كَمَا حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ (وَحِفْظًا) يَقُولُ: جَعَلْتُهَا حِفْظًا مِنْ كُلِّ، شَيْطَانٍ مَارِدٍ. وَقَوْلُهُ {لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى} اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ (لَا يَسَّمَّعُونَ) فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ، وَبَعْضُ الْكُوفِيِّينَ: (لَا يَسْمَعُونَ) بِتَخْفِيفِ السِّينِ مِنْ يَسْمَعُونَ، بِمَعْنَى أَنَّهُمْ يَتَسَمَّعُونَ وَلَا يَسْمَعُونَ. وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفِيِّينَ بِعَدِّ لَا يَسَّمَّعُونَ بِمَعْنَى: لَا يَتَسَمَّعُونَ، ثُمَّ أَدْغَمُوا التَّاءَ فِي السِّينِ فَشَدَّدُوهَا. وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَهُ بِالتَّخْفِيفِ، لِأَنَّ الْأَخْبَارَ الْوَارِدَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنْ أَصْحَابِهِ، أَنَّ الشَّيَاطِينَ قَدْ تَتَسَمَّعُ الْوَحْيَ، وَلَكِنَّهَا تُرْمَى بِالشُّهُبِ لِئَلَّا تَسْمَعَ. ذِكْرُ رِوَايَةِ بَعْضِ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَتْ لِلشَّيَاطِينِ مَقَاعِدُ فِي السَّمَاءِ، قَالَ: فَكَانُوا يَسْمَعُونَ الْوَحْيَ، قَالَ: وَكَانَتِ النُّجُومُ لَا تَجْرِي، وَكَانَتِ الشَّيَاطِينُ لَا تُرْمَى، قَالَ: فَإِذَا سَمِعُوا الْوَحْيَ نَزَلُوا إِلَى الْأَرْضِ، فَزَادُوا فِي الْكَلِمَةِ تِسْعًا، قَالَ: فَلَمَّا بُعِثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جُعِلَ الشَّيْطَانُ إِذَا قَعَدَ مَقْعَدَهُ جَاءَ شِهَابٌ، فَلَمْ يُخْطِهِ حَتَّى يَحْرِقَهُ، قَالَ: فَشَكَوْا ذَلِكَ إِلَى إِبْلِيسَ، فَقَالَ: مَا هُوَ إِلَّا لِأَمْرٍ حَدَثَ، قَالَ: فَبَعَثَ جُنُودَهُ، فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمٌ يُصَلِّي بَيْنَ جَبَلَيْ نَخْلَةَ، قَالَ أَبُو كُرَيْبٍ: قَالَ وَكِيعٌ: يَعْنِي بَطْنَ نَخْلَةَ، قَالَ: فَرَجَعُوا إِلَى إِبْلِيسَ فَأَخْبَرُوهُ، قَالَ: فَقَالَ هَذَا الَّذِي حَدَثَ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ وَأَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى الصُّوفِيُّ قَالَا ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَتِ الْجِنُّ يَصْعَدُونَ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا يَسْتَمِعُونَ الْوَحْيَ، فَإِذَا سَمِعُوا الْكَلِمَةَ زَادُوا فِيهَا تِسْعًا، فَأَمَّا الْكَلِمَةُ فَتَكُونُ حَقًّا، وَأَمَّا مَا زَادُوا فَيَكُونُ بَاطِلًا فَلَمَّا بُعِثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنِعُوا مَقَاعِدَهُمْ، فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِإِبْلِيسَ، وَلَمْ تَكُنِ النُّجُومُ يُرْمَى بِهَا قَبْلَ ذَلِكَ، فَقَالَ لَهُمْ إِبْلِيسُ: مَا هَذَا إِلَّا لِأَمْرٍ حَدَثَ فِي الْأَرْضِ، فَبَعَثَ جُنُودَهُ، فَوَجَدُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمًا يُصَلِّي، فَأَتَوْهُ فَأَخْبَرُوهُ، فَقَالَ: هَذَا الْحَدَثُ الَّذِي حَدَثَ. حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ، قَالَ: ثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَتِ الْجِنُّ لَهُمْ مَقَاعِدُ، ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَهُ. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثَنِي الزُّهْرِيُّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي رَهْطٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، قَالُوا «: "بَيْنَا نَحْنُ جُلُوسٌ ذَاتَ لَيْلَةٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذْ رَأَى كَوْكَبًا رُمِيَ بِهِ، فَقَالَ: "مَا تَقُولُونَ فِي هَذَا الْكَوْكَبِ الَّذِي يُرْمَى بِهِ؟ " فَقُلْنَا: يُوَلَدُ مَوْلُودٌ، أَوْ يَهْلَكُ هَالِكٌ، وَيَمُوتُ مَلِكٌ وَيُمَلَّكُ مَلِكٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَيْسَ كَذَلِكَ، وَلَكِنَّ اللَّهَ كَانَ إِذَا قَضَى أَمْرًا فِي السَّمَاءِ سَبَّحَ لِذَلِكَ حَمَلَةُ الْعَرْشِ، فَيُسَبِّحُ لِتَسْبِيحِهِمْ مَنْ يَلِيهِمْ مِنْ تَحْتِهِمْ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، فَمَا يَزَالُونَ كَذَلِكَ حَتَّى يَنْتَهِيَ التَّسْبِيحُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَيَقُولُ أَهْلُ السَّمَاءِ الدُّنْيَا لِمَنْ يَلِيهِمْ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مِمَّ سَبَّحْتُمْ؟ فَيَقُولُونَ: مَا نَدْرِي: سَمِعْنَا مَنْ فَوْقَنَا مِنَ الْمَلَائِكَةِ سَبَّحُوا فَسَبَّحْنَا اللَّهَ لِتَسْبِيحِهِمْ وَلَكِنَّا سَنَسْأَلُ، فَيَسْأَلُونَ مَنْ فَوْقَهُمْ، فَمَا يَزَالُونَ كَذَلِكَ حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى حَمَلَةِ الْعَرْشِ، فَيَقُولُوَنَ: قَضَى اللَّهُ كَذَا وَكَذَا، فَيُخْبِرُونَ بِهِ مَنْ يَلِيهِمْ حَتَّى يَنْتَهُوا إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَتَسْتَرِقُ الْجِنُّ مَا يَقُولُونَ، فَيَنْزِلُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ مِنَ الْإِنْسِ فَيُلْقُونَهُ عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ بِتَوَهُّمٍ مِنْهُمْ، فَيُخْبِرُونَهُمْ بِهِ، فَيَكُونُ بَعْضُهُ حَقًّا وَبَعْضُهُ كَذِبًا، فَلَمْ تَزَلِ الْجِنُّ كَذَلِكَ حَتَّى رُمُوا بِهَذِهِ الشُّهُبِ" » وَحَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ وَابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَا ثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ «بَيْنَمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَفَرٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، إِذْ رُمِيَ بِنَجْمٍ فَاسْتَنَارَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ لِمِثْلِ هَذَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ إِذَا رَأَيْتُمُوهُ؟ قَالُوا: كُنَّا نَقُولُ: يَمُوتُ عَظِيمٌ أَوْ يُولَدُ عَظِيمٌ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَإِنَّهُ لَا يُرْمَى بِهِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ، وَلَكِنَّ رَبَّنَا تَبَارَكَ اسْمُهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا سَبَّحَ حَمَلَةُ الْعَرْشِ، ثُمَّ سَبَّحَ أَهْلُ السَّمَاءِ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ حَتَّى يَبْلُغَ التَّسْبِيحُ أَهْلَ هَذِهِ السَّمَاءِ ثُمَّ يَسْأَلُ أَهْلُ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ حَمَلَةَ الْعَرْشِ: مَاذَا قَالَ رَبُّنَا؟ فَيُخْبِرُونَهُمْ، ثُمَّ يَسْتَخْبِرُ أَهْلُ كُلِّ سَمَاءٍ، حَتَّى يَبْلُغَ الْخَبَرُ أَهْلَ السَّمَاءِ الدُّنْيَا، وَتَخْطَفُ الشَّيَاطِينُ السَّمْعَ، فَيُرْمَوْنَ، فَيَقْذِفُونَهُ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ، فَمَا جَاءُوا بِهِ عَلَى وَجْهِهِ فَهُوَ حَقٌّ، وَلَكِنَّهُمْ يَزِيدُونَ".» حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسًا فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، قَالَ: فَرُمِيَ بِنَجْمٍ، ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَهُ، إِلَّا أَنَّهُ زَادَ فِيهِ: قُلْتُ لِلزُّهْرِيِّ: أَكَانَ يُرْمَى بِهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَلَكِنَّهَا غَلُظَتْ حِينَ بُعِثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ دَاوُدَ، قَالَ: ثَنَا عَاصِمُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: ثَنَا أَبِي عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ، عَنْ عَطَاءَ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: " كَانَ لِلْجِنِّ مَقَاعِدُ فِي السَّمَاءِ يَسْمَعُونَ الْوَحْيَ، وَكَانَ الْوَحْيُ إِذَا أُوحِيَ سَمِعْتُ الْمَلَائِكَةُ كَهَيْئَةِ الْحَدِيدَةِ يُرْمَى بِهَا عَلَى الصَّفْوَانِ، فَإِذَا سَمِعَتِ الْمَلَائِكَةُ صَلْصَلَةَ الْوَحْيِ خَرَّ لِجِبَاهِهِمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، فَإِذَا نَزَلَ عَلَيْهِمْ أَصْحَابُ الْوَحْيِ {قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} قَالَ: فَيَتَنَادَوْنَ، قَالَ: رَبُّكُمُ الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ، قَالَ: فَإِذَا أُنْزِلَ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، قَالُوا: يَكُونُ فِي الْأَرْضِ كَذَا وَكَذَا مَوْتًا، وَكَذَا وَكَذَا حَيَاةً. وَكَذَا وَكَذَا جُدُوبَةً، وَكَذَا وَكَذَا خِصْبًا، وَمَا يُرِيدُ أَنْ يَصْنَعَ، وَمَا يُرِيدُ أَنْ يَبْتَدِئَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، فَنَزَلَتِ الْجِنُّ. فَأَوْحَوْا إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ مِنَ الْإِنْسِ، مِمَّا يَكُونُ فِي الْأَرْضِ، فَبَيْنَا هُمْ كَذَلِكَ، إِذْ بَعَثَ اللَّهُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَزَجَرَتِ الشَّيَاطِينُ عَنِ السَّمَاءِ وَرَمَوْهُمْ بِكَوَاكِبَ، فَجَعَلَ لَا يَصْعَدُ أَحَدٌ مِنْهُمْ إِلَّا احْتَرَقَ، وَفَزِعَ أَهْلُ الْأَرْضِ لِمَا رَأَوْا فِي الْكَوَاكِبِ، وَلَمْ يَكُنْ قَبْلَ ذَلِكَ، وَقَالُوا: هَلَكَ مَنْ فِي السَّمَاءِ، وَكَانَ أَهْلُ الطَّائِفِ أَوَّلَ مَنْ فَزِعَ، فَيَنْطَلِقُ الرَّجُلُ إِلَى إِبِلِهِ، فَيَنْحَرُ كُلَّ يَوْمٍ بَعِيرًا لِآلِهَتِهِمْ، وَيَنْطَلِقُ صَاحِبُ الْغَنَمِ، فَيَذْبَحُ كُلَّ يَوْمٍ شَاةً، وَيَنْطَلِقُ صَاحِبُ الْبَقَرِ. فَيَذْبَحُ كُلَّ يَوْمٍ بَقَرَةً، فَقَالَ لَهُمْ رَجُلٌ: وَيْلُكُمْ لَا تُهْلِكُوا أَمْوَالَكُمْ، فَإِنَّ مَعَالِمَكُمْ مِنَ الْكَوَاكِبِ الَّتِي تَهْتَدُونَ بِهَا لَمْ يُسْقَطْ مِنْهَا شَيْءٌ، فَأَقْلَعُوا وَقَدْ أَسْرَعُوا فِي أَمْوَالِهِمْ. وَقَالَ إِبْلِيسُ: حَدَثَ فِي الْأَرْضِ حَدَثٌ، فَأَتَى مِنْ كُلِّ أَرْضٍ بِتُرْبَةٍ، فَجَعَلَ لَا يُؤْتَى بِتُرْبَةِ أَرْضٍ إِلَّا شَمَّهَا، فَلَمَّا أَتَى بِتُرْبَةِ تِهَامَةَ قَالَ: هَا هُنَا حَدَثَ الْحَدَثُ، وَصَرَفَ اللَّهُ إِلَيْهِ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ وَهُوَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ، فَقَالُوا: {إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا} حَتَّى خَتَمَ الْآيَةَ...، فَوَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَة أنَّهَا قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " «إِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَنْزِلُ فِي الْعِنَانِ- وَهُوَ السَّحَابُ- فَتَذْكُرُ مَا قُضِيَ فِي السَّمَاءِ، فَتَسْتَرِقُ الشَّيَاطِينُ السَّمْعَ، فَتَسْمَعُهُ فَتُوحِيهِ إِلَى الْكُهَّانِ، فَيَكْذِبُونَ مَعَهَا مِئَةَ كِذْبَةٍ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِم». فَهَذِهِ الْأَخْبَارُ تُنَبِّئُ عَنْ أَنَّ الشَّيَاطِينَ تَسْمَعُ، وَلَكِنَّهَا تُرْمَى بِالشُّهُبِ لِئَلَّا تَسْمَعَ. فَإِنْ ظَنَّ ظَانٌّ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ فِي الْكَلَامِ"إِلَى"، كَانَ التَّسَمُّعُ أَوْلَى بِالْكَلَامِ مِنَ السَّمْعِ، فَإِنَّ الْأَمْرَ فِي ذَلِكَ بِخِلَافِ مَا ظَنَّ، وَذَلِكَ أَنَّ الْعَرَبَ تَقُولُ: سَمِعْتُ فُلَانًا يَقُولُ كَذَا، وَسَمِعْتُ إِلَى فُلَانٍ يَقُولُ كَذَا، وَسَمِعْتُ مِنْ فُلَانٍ. وَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ: إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ. وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ أَنْ لَا يَسْمَعَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى، فَحُذِفَتْ"إِنَّ" اكْتِفَاءً بِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهَا، كَمَا قِيلَ: {كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ} بِمَعْنَى: أَنْ لَا يُؤْمِنُوا بِهِ، وَلَوْ كَانَ مَكَانَ"لَا" أَنْ، لَكَانَ فَصِيحًا، كَمَا قِيلَ: {يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا} بِمَعْنَى: أَنْ لَا تَضِلُّوا، وَكَمَا قَالَ: {وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ} بِمَعْنَى: أَنْ لَا تَمِيدَ بِكُمْ. وَالْعَرَبُ قَدْ تَجْزِمُ مَعَ"لَا" فِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْضِعِ مِنَ الْكَلَامِ، فَتَقُولُ: رَبَطْتُ الْفَرَسَ لَا يَنْفَلِتَ، كَمَا قَالَ بَعْضُ بَنِي عَقِيلٍ:
وَحَتَّى رَأَيْنَا أَحْسَنَ الْوُدِّ بَيْنَنَا *** مُسَاكَنَةً لَا يَقْرِفَ الشَّرَّ قَارِفُ وَيُرْوَى: لَا يَقْرِفُ رَفْعًا، وَالرَّفْعُ لُغَةُ أَهْلِ الْحِجَازِ فِيمَا قِيلَ: وَقَالَ قَتَادَةَ فِي ذَلِكَ مَا: حَدَّثَنِي بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى} قَالَ: مَنَعُوهَا. وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ (إِلَى الْمَلَإِ): إِلَى جَمَاعَةِ الْمَلَائِكَةِ الَّتِي هُمْ أَعْلَى مِمَّنْ هُمْ دُونَهُمْ. وَقَوْلُهُ {وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ دُحُورًا} وَيُرْمَوْنَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ مِنْ جَوَانِبِ السَّمَاءِ دُحُورًا وَالدُّحُورُ: مَصْدَرٌ مِنْ قَوْلِكَ: دَحَرْتُهُ أَدْحَرُهُ دَحْرًا وَدُحُورًا، وَالدَّحْرُ: الدَّفْعُ وَالْإِبْعَادُ، يُقَالُ مِنْهُ: ادْحَرْ عَنْكَ الشَّيْطَانَ: أَيِ ادْفَعْهُ عَنْكَ وَأَبْعِدْهُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ دُحُورًا} قَذْفًا بِالشُّهُبِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ (وَيُقْذَفُونَ) يُرْمَوْنَ {مِنْ كُلِّ جَانِبٍ} قَالَ: مِنْ كُلِّ مَكَانٍ. وَقَوْلُهُ (دُحُورًا) قَالَ: مَطْرُودِينَ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ {وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ دُحُورًا} قَالَ: الشَّيَاطِينُ يُدْحَرُونَ بِهَا عَنِ الِاسْتِمَاعِ، وَقَرَأَ وَقَالَ: {إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ}. وَقَوْلُهُ {وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلِهَذِهِ الشَّيَاطِينِ الْمُسْتَرِقَةِ السَّمْعَ عَذَابٌ مِنَ اللَّهِ وَاصِبٌ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى الْوَاصِبِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: الْمُوجِعُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ {وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ} قَالَ: مُوجِعٌ. وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، فِي قَوْلِهِ {عَذَابٌ وَاصِبٌ} قَالَ: الْمُوجِعُ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَاهُ: الدَّائِمُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ {وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ}: أَيْ دَائِمٌ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ {عَذَابٌ وَاصِبٌ} قَالَ: دَائِمٌ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ} يَقُولُ: لَهُمْ عَذَابٌ دَائِمٌ. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَمَّنْ ذَكَرَهُ، عَنْ عِكْرِمَةَ {وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ} قَالَ: دَائِمٌ. حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ {وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ} قَالَ: الْوَاصِبُ: الدَّائِبُ. وَأَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ تَأْوِيلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَاهُ: دَائِمٌ خَالِصٌ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ قَالَ {وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا} فَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَمْ يَصِفْهُ بِالْإِيلَامِ وَالْإِيجَاعِ، وَإِنَّمَا وَصَفَهُ بِالثَّبَاتِ وَالْخُلُوصِ، وَمِنْهُ قَوْلُ أَبِي الْأُسُودِ الدُّؤَلِيِّ: لَا أَشْتَرِي الْحَمْدَ الْقَلِيلَ بَقَاؤُهُ *** يَوْمًا بِذَمِّ الدَّهْرِ أَجْمَعِ وَاصِبَا أَيْ دَائِمًا. وَقَوْلُهُ {إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ} يَقُولُ: إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ مِنْهُمْ {فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ} يَعْنِي: مُضِيءُ مُتَوَقِّدٌ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ {فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ} مِنْ نَارٍ وَثُقُوبُهُ: ضَوْءُهُ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَوْلُهُ {شِهَابٌ ثَاقِبٌ} قَالَ: شِهَابٌ مُضِيءٌ يَحْرُقُهُ حِينَ يُرْمَى بِهِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ {فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ} قَالَ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: لَا يُقْتَلُونَ بِالشِّهَابِ، وَلَا يَمُوتُونَ، وَلَكِنَّهَا تَحْرُقُهُمْ مِنْ غَيْرِ قَتْلٍ، وَتُخَبِّلُ وَتُخْدِجُ مِنْ غَيْرِ قَتْلٍ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ {فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ} قَالَ: وَالثَّاقِبُ: الْمُسْتَوْقِدُ، قَالَ: وَالرَّجُلُ يَقُولُ: أَثْقِبْ نَارَكَ، وَيَقُولُ اسْتَثْقِبْ نَارَكَ اسْتَوْقَدَ نَارَكَ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ: ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ، قَالَ: سُئِلَ الضَّحَّاكُ هَلْ لِلشَّيَاطِينِ أَجْنِحَةٌ؟ فَقَالَ: كَيْفَ يَطِيرُونَ إِلَى السَّمَاءِ إِلَّا وَلَهُمْ أَجْنِحَةٌ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمْ مَنْ خَلَقْنَا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لَازِبٍ بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَاسْتَفْتِ يَا مُحَمَّدُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِي يُنْكِرُونَ الْبَعْثَ بَعْدَ الْمَمَاتِ وَالنُّشُورَ بَعْدَ الْبَلَاءِ: يَقُولُ: فَسَلْهُمْ: أَهَمُّ أَشَدُّ خَلْقًا؟ يَقُولُ: أَخَلْقُهُمْ أَشَدُّ أَمْ خَلْقُ مَنْ عَدَدْنَا خَلْقَهُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَالشَّيَاطِينِ وَالسَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ؟ وَذُكِرَ أَنَّ ذَلِكَ فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ: "أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمْ مَنْ عَدَدْنَا"؟. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ {أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمْ مَنْ خَلَقْنَا}؟ قَالَ: السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَالْجِبَالُ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ: ثَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنِ الضَّحَّاكِ أَنَّهُ قَرَأَ "أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمْ مَنْ عَدَدْنَا"؟ وَفِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ "عَدَدْنَا" يَقُولُ: {رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ} يَقُولُ: أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا، أَمِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ؟ يَقُولُ: السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أَشَدُّ خَلْقًا مِنْهُمْ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمْ مَنْ} عَدَدْنَا" مِنْ خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، قَالَ اللَّهُ: {لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ}... الْآيَةَ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ {فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا} قَالَ: يَعْنِي الْمُشْرِكِينَ، سَلْهُمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا {أَمْ مَنْ خَلَقْنَا}. وَقَوْلُهُ {إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لَازِبٍ} يَقُولُ: إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لَاصِقٍ. وَإِنَّمَا وَصَفَهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِاللُّزُوبِ، لِأَنَّهُ تُرَابٌ مَخْلُوطٌ بِمَاءٍ، وَكَذَلِكَ خُلِقَ ابْنُ آدَمَ مِنْ تُرَابٍ وَمَاءٍ وَنَارٍ وَهَوَاءٍ، وَالتُّرَابُ إِذَا خُلِطَ بِمَاءٍ صَارَ طِينًا لَازِبًا، وَالْعَرَبُ تُبَدِّلُ أَحْيَانًا هَذِهِ الْبَاءَ مِيمًا، فَتَقُولُ: طِينٌ لَازِمٌ، وَمِنْهُ قَوْلُ النَّجَاشِيِّ الْحَارِثِيِّ: بَنَى اللُّؤْمُ بَيْتًا فَاسْتَقَرَّتْ عِمَادُهُ *** عَلَيْكُمْ بَنِي النَّجَّارِ ضَرْبَةَ لَازِمِ وَمِنَ اللَّازِبِ قَوْلُ نَابِغَةِ بَنِي ذُبْيَانَ: وَلَا يَحْسَبُونَ الْخَيْرَ لَا شَرَّ بَعْدَهُ *** وَلَا يَحْسَبُونَ الشَّرَّ ضَرْبَةَ لَازِبِ وَرُبَّمَا أَبْدَلُوا الزَّايَ الَّتِي فِي اللَّازِبِ تَاءً، فَيَقُولُونَ: طِينٌ لَاتِبٌ، وَذُكِرَ أَنَّ ذَلِكَ فِي قَيْسٍ، زَعَمَ الْفَرَّاءُ أَنَّ أَبَا الْجَرَّاحِ أَنْشَدَهُ: صُدَاعٌ وَتَوْصِيمُ الْعِظَامِ وَفَتْرَةٌ *** وَغَثْيٌ مَعَ الْإِشْرَاقِ فِي الْجَوْفِ لَاتِبُ بِمَعْنَى: لَازِمٍ، وَالْفِعْلُ مِنْ لَازِبٍ: لَزِبَ يَلْزُبُ، لَزْبًا وَلُزُوبًا وَكَذَلِكَ مِنْ لَاتِبٍ: لَتَبَ يَلْتُبُ لُتُوبًا. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي مَعْنَى (لَازِبٍ) قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ الْجُبَيْرِيُّ، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، قَالَ: ثَنَا مُسْلِمٌ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ {مِنْ طِينٍ لَازِبٍ} قَالَ: هُوَ الطِّينُ الْحُرُّ الْجَيِّدُ اللَّزِجُ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَا ثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ مُسْلِمٍ الْبَطِينِ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: اللَّازِبُ: الْجَيِّدُ. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: ثَنَا بِشْرُ بْنُ عُمَارَةَ، عَنْ أَبِي رَوْقٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: اللَّازِبُ: اللَّزِجُ الطَّيِّبُ. حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ {مِنْ طِينٍ لَازِبٍ} يَقُولُ: مُلْتَصِقٌ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ {إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لَازِبٍ} قَالَ: مِنَ التُّرَابِ وَالْمَاءِ فَيَصِيرُ طِينًا يَلْزَقُ. حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، قَالَ: ثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، فِي قَوْلِهِ {إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لَازِبٍ} قَالَ: اللَّازِبُ: اللَّزِجُ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ: ثَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنِ الضَّحَّاكِ {إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لَازِبٍ} وَاللَّازِبُ: الطِّينُ الْجَيِّدُ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ اللَّهُ {إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لَازِبٍ} وَاللَّازِبُ: الَّذِي يَلْزَقُ بِالْيَدِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ {مِنْ طِينٍ لَازِبٍ} قَالَ: لَازَمَ. حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْآمُلِيُّ، قَالَ: ثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، قَالَ: ثَنَا جُوَيْبِرٌ، عَنِ الضَّحَّاكِ، فِي قَوْلِهِ {مِنْ طِينٍ لَازِبٍ} قَالَ: هُوَ اللَّازِقُ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ {إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لَازِبٍ} قَالَ: اللَّازِبُ: الَّذِي يَلْتَصِقُ كَأَنَّهُ غِرَاءٌ، ذَلِكَ اللَّازِبُ. قَوْلُهُ {بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ} اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فَى قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ: {بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ} بِضَمِّ التَّاءِ مِنْ عَجِبْتُ، بِمَعْنَى: بَلْ عَظُمَ عِنْدِي وَكَبُرَ اتِّخَاذُهُمْ لِي شَرِيكًا، وَتَكْذِيبُهُمْ تَنْزِيلِي وَهُمْ يَسْخَرُونَ. وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ وَبَعْضُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ (بَلْ عَجِبْتَ) بِفَتْحِ التَّاءِ بِمَعْنَى: بَلْ عَجِبْتَ أَنْتَ يَا مُحَمَّدُ وَيَسْخَرُونَ مِنْ هَذَا الْقُرْآنِ. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَشْهُورَتَانِ فِي قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَكَيْفَ يَكُونُ مُصِيبًا الْقَارِئُ بِهِمَا مَعَ اخْتِلَافِ مَعْنَيَيْهِمَا؟ قِيلَ: إِنَّهُمَا وَإِنِ اخْتَلَفَ مَعْنَيَاهُمَا فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ مَعْنَيَيْهِ صَحِيحٌ، قَدْ عَجِبَ مُحَمَّدٌ مِمَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ مِنَ الْفَضْلِ، وَسَخِرَ مِنْهُ أَهْلُ الشِّرْكِ بِاللَّهِ، وَقَدْ عَجِبَ رَبُّنَا مِنْ عَظِيمِ مَا قَالَهُ الْمُشْرِكُونَ فِي اللَّهِ، وَسَخِرَ الْمُشْرِكُونَ بِمَا قَالُوهُ. فَإِنْ قَالَ: أَكَانَ التَّنْزِيلُ بِإِحْدَاهُمَا أَوْ بِكِلْتَيْهِمَا؟ قِيلَ: التَّنْزِيلُ بِكِلْتَيْهِمَا. فَإِنْ قَالَ: وَكَيْفَ يَكُونُ تَنْزِيلُ حَرْفٍ مَرَّتَيْنِ؟ قِيلَ: إِنَّهُ لَمْ يَنْزِلْ مَرَّتَيْنِ، إِنَّمَا أُنْزِلَ مَرَّةً، وَلَكِنَّهُ أَمَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقْرَأَ بِالْقِرَاءَتَيْنِ كِلْتَيْهِمَا، وَلِهَذَا مَوْضِعٌ سَنَسْتَقْصِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ فِيهِ الْبَيَانَ عَنْهُ بِمَا فِيهِ الْكِفَايَةُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ} قَالَ: عَجِبَ مُحَمَّدٌ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مِنْ هَذَا الْقُرْآنِ حِينَ أُعْطِيَهُ، وَسَخِرَ مِنْهُ أَهْلُ الضَّلَالَةِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذَا ذُكِّرُوا لَا يَذْكُرُونَ وَإِذَا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَإِذَا ذُكِّرَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ حُجَجَ اللَّهِ عَلَيْهِمْ لِيَعْتَبِرُوا وَيَتَفَكَّرُوا، فَيُنِيبُوا إِلَى طَاعَةِ اللَّهِ (لَا يَذْكُرُونَ): يَقُولُ: لَا يَنْتَفِعُونَ بِالتَّذْكِيرِ فَيَتَذَكَّرُوا. بِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {وَإِذَا ذُكِّرُوا لَا يَذْكُرُونَ}: أَيْ لَا يَنْتَفِعُونَ وَلَا يُبْصِرُونَ. وَقَوْلُهُ {وَإِذَا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ} يَقُولُ: وَإِذَا رَأَوْا حُجَّةً مِنْ حُجَجِ اللَّهِ عَلَيْهِمْ، وَدَلَالَةً عَلَى نُبُوَّةِ نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَسْخِرُونَ: يَقُولُ: يَسْخَرُونَ وَيَسْتَهْزِءُونَ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {وَإِذَا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ}: يَسْخَرُونَ مِنْهَا وَيَسْتَهْزِئُونَ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ {وَإِذَا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ} قَالَ: يَسْتَهْزِئُونَ، يَسْتَخْسِرُونَ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقَالُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ قُلْ نَعَمْ وَأَنْتُمْ دَاخِرُونَ فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ يَنْظُرُونَ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَقَالَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ مِنْ قُرَيْشٍ بِاللَّهِ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا هَذَا الَّذِي جِئْتِنَا بِهِ إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ. يَقُولُ: يَبِينُ لِمَنْ تَأَمَّلَهُ وَرَآهُ أَنَّهُ سِحْرٌ {أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ} يَقُولُونَ، مُنْكِرِينَ بَعْثَ اللَّهِ إِيَّاهُمْ بَعْدَ بَلَائِهِمْ: أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ أَحْيَاءً مِنْ قُبُورِنَا بَعْدَ مَمَاتِنَا، وَمَصِيرِنَا تُرَابًا وَعِظَامًا، قَدْ ذَهَبَ عَنْهَا اللُّحُومُ {أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ} الَّذِينَ مَضَوْا مَنْ قَبْلِنَا، فَبَادُوا وَهَلَكُوا. يَقُولُ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قُلْ لِهَؤُلَاءِ: نَعَمْ أَنْتُمْ مَبْعُوثُونَ بَعْدَ مَصِيرِكُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَحْيَاءً كَمَا كُنْتُمْ قَبْلَ مَمَاتِكُمْ، وَأَنْتُمْ دَاخِرُونَ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ} تَكْذِيبًا بِالْبَعْثِ {قُلْ نَعَمْ وَأَنْتُمْ دَاخِرُونَ}. وَقَوْلُهُ {وَأَنْتُمْ دَاخِرُونَ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَأَنْتُمْ صَاغِرُونَ أَشَدَّ الصَّغَرِ، مِنْ قَوْلِهِمْ: صَاغِرٌ دَاخِرٌ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {وَأَنْتُمْ دَاخِرُونَ}: أَيْ صَاغِرُونَ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، فِي قَوْلِهِ {وَأَنْتُمْ دَاخِرُونَ} قَالَ: صَاغِرُونَ. وَقَوْلُهُ {فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ يَنْظُرُونَ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَإِنَّمَا هِيَ صَيْحَةٌ وَاحِدَةٌ، وَذَلِكَ هُوَ النَّفْخُ فِي الصُّوَرِ {فَإِذَا هُمْ يَنْظُرُونَ} يَقُولُ: فَإِذَا هُمْ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَى مَا كَانُوا يُوعَدُونَهُ مِنْ قِيَامِ السَّاعَةِ وَيُعَايِنُونَهُ. كَمَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، فِي قَوْلِهِ {زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ} قَالَ: هِيَ النَّفْخَةُ
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقَالُوا يَا وَيْلَنَا هَذَا يَوْمُ الدِّينِ هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَقَالَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ الْمُكَذِّبُونَ إِذَا زُجِرَتْ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ، وَنُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ: {يَا وَيْلَنَا هَذَا يَوْمُ الدِّينِ} يَقُولُونَ: هَذَا يَوْمُ الْجَزَاءِ وَالْمُحَاسَبَةِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {هَذَا يَوْمُ الدِّينِ} قَالَ: يَدِينُ اللَّهُ فِيهِ الْعِبَادَ بِأَعْمَالِهِمْ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، فِي قَوْلِهِ {هَذَا يَوْمُ الدِّينِ} قَالَ: يَوْمُ الْحِسَابِ. وَقَوْلُهُ {هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: هَذَا يَوْمُ فَصْلِ اللَّهِ بَيْنَ خَلْقِهِ بِالْعَدْلِ مِنْ قَضَائِهِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ فِي الدُّنْيَا فَتُنْكِرُونَهُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ} يَعْنِي: يَوْمَ الْقِيَامَةِ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، فِي قَوْلِهِ {هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ} قَالَ: يَوْمُ يُقْضَى بَيْنَ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَأَهْلِ النَّارِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ}. وَفِي هَذَا الْكَلَامِ مَتْرُوكٌ اسْتُغْنِيَ بِدَلَالَةِ مَا ذُكِرَ عَمَّا تُرِكَ، وَهُوَ: فَيُقَالُ: احْشَرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا، وَمَعْنَى ذَلِكَ اجْمَعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا بِاللَّهِ فِي الدُّنْيَا وَعَصَوْهُ وَأَزْوَاجَهُمْ وَأَشْيَاعَهُمْ عَلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنَ الْكُفْرِ بِاللَّهِ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنَ الْآلِهَةِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ} قَالَ: ضُرَبَاءَهُمْ. حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ} يَقُولُ: نُظَرَاءَهُمْ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ} يَعْنِي: أَتْبَاعَهُمْ، وَمَنْ أَشْبَهَهُمْ مِنَ الظَّلَمَةِ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ دَاوُدَ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا الْعَالِيَةِ، عَنْ قَوْلِ اللَّهِ: {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} قَالَ: الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَشْيَاعَهُمْ. حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنِي عَبْدُ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا دَاوُدُ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ} قَالَ: وَأَشْيَاعَهُمْ. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، قَالَ: ثَنَا دَاوُدُ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ}: أَيْ وَأَشْيَاعَهُمُ، الْكُفَّارُ مَعَ الْكُفَّارِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، فِي قَوْلِهِ: {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ} قَالَ: وَأَشْبَاهَهُمْ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ} قَالَ: أَزْوَاجُهُمْ فِي الْأَعْمَالِ، وَقَرَأَ {وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ} فَالسَّابِقُونَ زَوْجٌ وَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ زَوْجٌ، وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ زَوْجٌ، قَالَ: كُلٌّ مَنْ كَانَ مِنْ هَذَا حَشَرَهُ اللَّهُ مَعَهُ. وَقَرَأَ: {وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ}. قَالَ: زُوِّجَتْ عَلَى الْأَعْمَالِ، لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ زَوْجٌ، زَوَّجَ اللَّهُ بَعْضَ هَؤُلَاءِ بَعْضًا، زَوَّجَ أَصْحَابَ الْيَمِينِ أَصْحَابَ الْيَمِينِ، وَأَصْحَابَ الْمَشْأَمَةِ أَصْحَابَ الْمَشْأَمَةِ، وَالسَّابِقِينَ السَّابِقِينَ، قَالَ: فَهَذَا قَوْلُهُ {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ} قَالَ: أَزْوَاجُ الْأَعْمَالِ الَّتِي زَوَّجَهُنَّ اللَّهُ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ (وَأَزْوَاجَهُمْ) قَالَ: أَمْثَالُهُمْ. وَقَوْلُهُ {وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: احْشَرُوا هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ وَآلِهَتَهُمُ الَّتِي كَانُوا يَعْبُدُونَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ، فَوَجِّهُوهُمْ إِلَى طَرِيقِ الْجَحِيمِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} الْأَصْنَامُ. حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ {فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ} يَقُولُ: وَجِّهُوهُمْ، وَقِيلَ: إِنَّ الْجَحِيمَ الْبَابُ الرَّابِعُ مِنْ أَبْوَابِ النَّارِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: (وَقِفُوهُمْ): احْبِسُوهُمْ: أَيِ احْبِسُوا أَيُّهَا الْمَلَائِكَةُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَزْوَاجَهُمْ، وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنَ الْآلِهَةِ (إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ) فَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْمَعْنَى الَّذِي يَأْمُرُ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ بِوَقْفِهِمْ لِمَسْأَلَتِهِمْ عَنْهُ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَسْأَلُهُمْ هَلْ يُعْجِبُهُمْ وُرُودُ النَّارِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، قَالَ: ثَنَ أَبُو الزَّعْرَاءِ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ، فَذَكَرَ قِصَّةً، ثُمَّ قَالَ: يَتَمَثَّلُ اللَّهُ لِلْخَلْقِ فَيَلْقَاهُمْ، فَلَيْسَ أَحَدٌ مِنَ الْخَلْقِ كَانَ يَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ شَيْئًا إِلَّا وَهُوَ مَرْفُوعٌ لَهُ يَتْبَعُهُ قَالَ: فَيَلْقَى الْيَهُودَ فَيَقُولُ: مَنْ تَعْبُدُونَ؟ فَيَقُولُونَ: نَعْبُدُ عُزَيْرًا، قَالَ: فَيَقُولُ: هَلْ يَسُرُّكُمُ الْمَاءُ؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، فَيُرِيهِمْ جَهَنَّمَ وَهِيَ كَهَيْئَةِ السَّرَابِ، ثُمَّ قَرَأَ {وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكَافِرِينَ عَرْضًا} قَالَ: ثُمَّ يَلْقَى النَّصَارَى فَيَقُولُ: مَنْ تَعْبُدُونَ؟ فَيَقُولُونَ: الْمَسِيحَ، فَيَقُولُ: هَلْ يَسُرُّكُمُ الْمَاءُ؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، فَيُرِيهِمْ جَهَنَّمَ، وَهِيَ كَهَيْئَةِ السَّرَابِ، ثُمَّ كَذَلِكَ لِمَنْ كَانَ يَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ شَيْئًا، ثُمَّ قَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ}. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ ذَلِكَ لِلسُّؤَالِ عَنْ أَعْمَالِهِمْ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثَنَا مُعْتَمِرٌ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " «أَيُّمَا رَجُلٍ دَعَا رَجُلًا إِلَى شَيْءٍ كَانَ مَوْقُوفًا لَازِمًا بِهِ، لَا يُغَادِرُهُ، وَلَا يُفَارِقُهُ" ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ}» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: وَقِفُوا هَؤُلَاءِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَزْوَاجَهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْبُدُونَ مَنْ دُونِ اللَّهِ. وَقَوْلُهُ {مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ} يَقُولُ: مَا لَكَمَ أَيُّهَا الْمُشْرِكُونَ بِاللَّهِ لَا يَنْصُرُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا {بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ} يَقُولُ: بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ لِأَمْرِ اللَّهِ فِيهِمْ وَقَضَائِهِ، مُوقِنُونَ بِعَذَابِهِ. كَمَا حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ {مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ} لَا وَاللَّهِ لَا يَتَنَاصَرُونَ، وَلَا يَدْفَعُ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ {بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ} فِي عَذَابِ اللَّهِ. وَقَوْلُهُ {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ} قِيلَ: مَعْنَى ذَلِكَ: وَأَقْبَلَ الْإِنْسُ عَلَى الْجِنِّ، يَتَسَاءَلُونَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ} الْإِنْسُ عَلَى الْجِنِّ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {قَالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ قَالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بَلْ كُنْتُمْ قَوْمًا طَاغِينَ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَتِ الْإِنْسُ لِلْجِنِّ: إِنَّكُمْ أَيُّهَا الْجِنُّ كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا مِنْ قِبَلِ الدِّينِ وَالْحَقِّ فَتَخْدَعُونَنَا بِأَقْوَى الْوُجُوهِ، وَالْيَمِينُ: الْقُوَّةُ وَالْقُدْرَةُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ: إِذَا مَا رَايَةٌ رُفِعَتْ لِمَجْدٍ *** تَلَقَّاهَا عَرَابَةُ بِالْيَمِينِ يَعْنِي: بِالْقُوَّةِ وَالْقُدْرَةِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ {تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ} قَالَ: عَنِ الْحَقِّ، الْكُفَّارُ تَقُولُهُ لِلشَّيَاطِينِ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {قَالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ} قَالَ: قَالَتِ الْإِنْسَ لِلْجِنِّ: إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ، قَالَ: مِنْ قِبَلِ الْخَيْرِ، فَتَنْهَوْنَنَا عَنْهُ، وَتُبَطِّئُونَنَا عَنْهُ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، فِي قَوْلِهِ {إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ} قَالَ: تَأْتُونَنَا مِنْ قِبَلِ الْحَقِّ تُزَيِّنُونَ لَنَا الْبَاطِلَ، وَتَصُدُّونَنَا عَنِ الْحَقِّ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ {إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ} قَالَ: قَالَ بَنُو آدَمَ لِلشَّيَاطِينِ الَّذِينَ كَفَرُوا: إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ، قَالَ: تَحُولُونَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْخَيْرِ، وَرَدَدْتُمُونَا عَنِ الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ، وَالْعَمَلِ بِالْخَيْرِ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ بِهِ. وَقَوْلُهُ {قَالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَتِ الْجِنُّ لِلْإِنْسِ مُجِيبَةً لَهُمْ: بَلْ لَمْ تَكُونُوا بِتَوْحِيدِ اللَّهِ مُقِرِّينَ، وَكُنْتُمْ لِلْأَصْنَامِ عَابِدِينَ {وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ} يَقُولُ: قَالُوا: وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِنْ حُجَّةٍ، فَنَصُدَكُمْ بِهَا عَنِ الْإِيمَانِ، وَنَحُولَ بَيْنَكُمْ مِنْ أَجْلِهَا وَبَيْنَ اتِّبَاعِ الْحَقِّ {بَلْ كُنْتُمْ قَوْمًا طَاغِينَ} يَقُولُ: قَالُوا لَهُمْ: بَلْ كُنْتُمْ أَيُّهَا الْمُشْرِكُونَ قَوْمًا طَاغِينَ عَلَى اللَّهِ، مُتَعَدِّينَ إِلَى مَا لَيْسَ لَكُمُ التَّعَدِّي إِلَيْهِ مِنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ وَخِلَافِ أَمْرِهِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: قَالَتْ لَهُمُ الْجِنُّ {بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} حَتَّى بَلَغَ {قَوْمًا طَاغِينَ}. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، فِي قَوْلِهِ: {وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ} قَالَ: الْحُجَّةُ وَفِي قَوْلِهِ {بَلْ كُنْتُمْ قَوْمًا طَاغِينَ} قَالَ: كُفَّارٌ ضُلَّالٌ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا إِنَّا لَذَائِقُونَ فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ إِنَّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا، فَوَجَبَ عَلَيْنَا عَذَابُ رَبِّنَا، إِنَّا لَذَائِقُونَ الْعَذَابَ نَحْنُ وَأَنْتُمْ بِمَا قَدَّمْنَا مِنْ ذُنُوبِنَا وَمَعْصِيَتِنَا فِي الدُّنْيَا، فَهَذَا خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ عَنْ قِيلِ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ. كَمَا حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا}..........الْآيَةَ. قَالَ: هَذَا قَوْلُ الْجِنِّ. وَقَوْلُهُ {فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ} يَقُولُ: فَأَضْلَلْنَاكُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْإِيمَانِ بِهِ إِنَّا كُنَّا ضَالِّينَ، وَهَذَا أَيْضًا خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ عَنْ قِيلِ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ، قَالَ اللَّهُ {فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ} يَقُولُ: فَإِنَّ الْإِنْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَأَزْوَاجَهُمْ، وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ مَنْ دُونِ اللَّهِ، وَالَّذِينَ أَغْوَوُا الْإِنْسَ مِنَ الْجِنِّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ جَمِيعًا فِي النَّارِ، كَمَا اشْتَرَكُوا فِي الدُّنْيَا فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ {فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ} قَالَ: هُمْ وَالشَّيَاطِينُ. {إِنَّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّا هَكَذَا نَفْعَلُ بِالَّذِينِ اخْتَارُوا مَعَاصِيَ اللَّهِ فِي الدُّنْيَا عَلَى طَاعَتِهِ، وَالْكُفْرَ بِهِ عَلَى الْإِيمَانِ، فَنُذِيقُهُمُ الْعَذَابَ الْأَلِيمَ، وَنَجْمَعُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ قُرَنَائِهِمْ فِي النَّارِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَإِنَّ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ بِاللَّهِ الَّذِينَ وَصَفَ صِفَتَهُمْ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ كَانُوا فِي الدُّنْيَا إِذَا قِيلَ لَهُمْ: قُولُوا {لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ} يَقُولُ: يَتَعَظَّمُونَ عَنْ قِيلِ ذَلِكَ وَيَتَكَبَّرُونَ، وَتَرَكَ مِنَ الْكَلَامِ قُولُوا، اكْتِفَاءً بِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ مِنْ ذِكْرِهِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، فِي قَوْلِهِ {إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ} قَالَ: يَعْنِي الْمُشْرِكِينَ خَاصَّةً. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ {إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ} قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: احْضُرُوا مَوْتَاكُمْ، وَلَقِّنُوهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَإِنَّهُمْ يَرَوْنَ وَيَسْمَعُونَ. وَقَوْلُهُ {وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَيَقُولُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ مِنْ قُرَيْشٍ، أَنَتْرُكُ عِبَادَةَ آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ يَقُولُ: لِاتِّبَاعِ شَاعِرٍ مَجْنُونٍ، يَعْنُونَ بِذَلِكَ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَنَقُولُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. كَمَا حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ} يُعْنُونَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَوْلُهُ {بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ} وَهَذَا خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ مُكَذِّبًا لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ قَالُوا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: شَاعِرٌ مَجْنُونٌ، كَذَّبُوا، مَا مُحَمَّدٌ كَمَا وَصَفُوهُ بِهِ مِنْ أَنَّهُ شَاعِرٌ مَجْنُونٌ، بَلْ هُوَ لِلَّهِ نَبِيٌّ جَاءَ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِهِ، وَهُوَ الْقُرْآنُ الَّذِي أَنْزَلَهُ عَلَيْهِ، وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْلِهِ. وَبِمِثْلِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ} بِالْقُرْآنِ {وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ}: أَيْ صَدَّقَ مَنْ كَانَ قَبْلَهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّكُمْ لَذَائِقُو الْعَذَابِ الْأَلِيمِ وَمَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ أُولَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، الْقَائِلِينَ لِمُحَمَّدٍ: شَاعِرٌ مَجْنُونٌ (إِنَّكُمْ) أَيُّهَا الْمُشْرِكُونَ {لَذَائِقُو الْعَذَابِ الْأَلِيمِ} الْمُوجِعِ فِي الْآخِرَةِ (وَمَا تُجْزَوْنَ) يَقُولُ: وَمَا تُثَابُونَ فِي الْآخِرَةِ إِذَا ذُقْتُمُ الْعَذَابَ الْأَلِيمَ فِيهَا (إِلَّا) ثَوَابَ (مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) فِي الدُّنْيَا، مَعَاصِيَ اللَّهِ. وَقَوْلُهُ {إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ} يَقُولُ: إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الَّذِينَ أَخْلَصَهُمْ يَوْمَ خَلَقَهُمْ لِرَحْمَتِهِ، وَكَتَبَ لَهُمُ السَّعَادَةَ فِي أُمِّ الْكِتَابِ، فَإِنَّهُمْ لَا يَذُوقُونَ الْعَذَابَ، لِأَنَّهُمْ أَهْلُ طَاعَةِ اللَّهِ، وَأَهْلُ الْإِيمَانِ بِهِ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ} قَالَ: هَذِهِ ثَنِيَّةُ اللَّهِ. وَقَوْلُهُ {أُولَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ} يَقُولُ: هَؤُلَاءِ هُمْ عِبَادُ اللَّهِ الْمُخْلَصُونَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ، وَذَلِكَ الرِّزْقُ الْمَعْلُومُ: هُوَ الْفَوَاكِهُ الَّتِي خَلَقَهَا اللَّهُ لَهُمْ فِي الْجَنَّةِ. كَمَا حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {أُولَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ} فِي الْجَنَّةِ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، فِي قَوْلِهِ {أُولَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ} قَالَ: فِي الْجَنَّةِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَوَاكِهُ وَهُمْ مُكْرَمُونَ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ}. قَوْلُهُ (فَوَاكِهُ) رَدًّا عَلَى الرِّزْقِ الْمَعْلُومِ تَفْسِيرًا لَهُ، وَلِذَلِكَ رُفِعَتْ وَقَوْلُهُ {وَهُمْ مُكْرَمُونَ} يَقُولُ: وَهُمْ مَعَ الَّذِي لَهُمْ مِنَ الرِّزْقِ الْمَعْلُومِ فِي الْجَنَّةِ، مُكَرَّمُونَ بِكَرَامَةِ اللَّهِ الَّتِي أَكْرَمَهُمُ اللَّهُ بِهَا {فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ} يَعْنِي: فِي بَسَاتِينَ النَّعِيمِ {عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ} يَعْنِي: أَنَّ بَعْضَهُمْ يُقَابِلُ بَعْضًا، وَلَا يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ فِي قَفَا بَعْضٍ. وَقَوْلُهُ {يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: يَطُوفُ الْخَدَمُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ خَمْرٍ جَارِيَةٍ ظَاهِرَةٍ لِأَعْيُنِهِمْ غَيْرِ غَائِرَةٍ. كَمَا حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ} قَالَ: كَأْسٌ مِنْ خَمْرٍ جَارِيَةٍ، وَالْمَعِينُ: هِيَ الْجَارِيَةُ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ نُبَيْطٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ، فِي قَوْلِهِ {بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ} قَالَ: كُلُّ كَأْسٍ فِي الْقُرْآنِ فَهُوَ خَمْرٌ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دَاوُدَ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ نُبَيْطٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ، قَالَ: كُلُّ كَأْسٍ فِي الْقُرْآنِ فَهُوَ خَمْرٌ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، فِي قَوْلِهِ {بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ} قَالَ: الْخَمْرُ. وَالْكَأْسُ عِنْدَ الْعَرَبِ: كُلُّ إِنَاءٍ فِيهِ شَرَابٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ شَرَابٌ لَمْ يَكُنْ كَأْسًا، وَلَكِنَّهُ يَكُونُ إِنَاءً. وَقَوْلُهُ {بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ} يَعْنِي بِالْبَيْضَاءِ: الْكَأْسَ، وَلِتَأْنِيثِ الْكَأْسِ أُنِّثَتِ الْبَيْضَاءُ، وَلَمْ يَقُلْ أَبْيَضَ، وَذَكَرَ أَنَّ ذَلِكَ فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ: صَفْرَاءَ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، فِي قَوْلِهِ (بَيْضَاءَ) قَالَ السُّدِّيُّ: فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ: صَفْرَاءَ وَقَوْلُهُ {لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ} يَقُولُ: هَذِهِ الْخَمْرُ لَذَّةٌ يَلْتَذُّهَا شَارِبُوهَا. وَقَوْلُهُ {لَا فِيهَا غَوْلٌ} يَقُولُ: لَا فِي هَذِهِ الْخَمْرِ غُولٌ، وَهُوَ أَنْ تَغْتَالَ عُقُولَهُمْ: يَقُولُ: لَا تَذْهَبُ هَذِهِ الْخَمْرُ بِعُقُولِ شَارِبِيهَا كَمَا تَذْهَبُ بِهَا خُمُورُ أَهْلِ الدُّنْيَا إِذَا شَرِبُوهَا فَأَكْثَرُوا مِنْهَا، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ: وَمَا زَالَتِ الْكَأْسُ تَغْتَالُنَا *** وَتَذْهَبُ بِالْأَوَّلِ الْأَوَّلِ وَالْعَرَبُ تَقُولُ: لَيْسَ فِيهَا غِيلَةٌ وَغَائِلَةٌ وَغَوْلٌ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَرُفِعَ غُوْلٌ وَلَمْ يُنْصَبْ بِلَا لِدُخُولِ حِرَفِ الصِّفَةِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْغَوْلِ، وَكَذَلِكَ تَفْعَلُ الْعَرَبُ فِي التَّبْرِئَةِ إِذَا حَالَتْ بَيْنَ لَا وَالِاسْمِ بِحَرْفٍ مِنْ حُرُوفِ الصِّفَاتِ رَفَعُوا الِاسْمَ وَلَمْ يَنْصِبُوهُ، وَقَدْ يَحْتَمِلُ قَوْلُهُ {لَا فِيهَا غَوْلٌ} أَنْ يَكُونَ مَعْنِيًّا بِهِ: لَيْسَ فِيهَا مَا يُؤْذِيهِمْ مِنْ مَكْرُوهٍ، وَذَلِكَ أَنَّ الْعَرَبَ تَقُولُ لِلرَّجُلِ يُصَابُ بِأَمْرٍ مَكْرُوهٍ، أَوْ يُنَالُ بِدَاهِيَةٍ عَظِيمَةٍ: غَالَ فَلَانَا غُولٌ وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: لَيْسَ فِيهَا صُدَاعٌ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ {لَا فِيهَا غَوْلٌ} يَقُولُ: لَيْسَ فِيهَا صُدَاعٌ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: لَيْسَ فِيهَا أَذًى فَتُشَكَّى مِنْهُ بُطُونُهُمْ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {لَا فِيهَا غَوْلٌ} قَالَ: هِيَ الْخَمْرُ لَيْسَ فِيهَا وَجَعُ بَطْنٍ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَوْلُهُ {لَا فِيهَا غَوْلٌ} قَالَ: وَجَعُ بَطْنٍ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ {لَا فِيهَا غَوْلٌ} قَالَ: الْغُولُ مَا يُوجِعُ الْبُطُونَ، وَشَارِبُ الْخَمْرِ هَهُنَا يَشْتَكِي بَطْنَهُ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {لَا فِيهَا غَوْلٌ} يَقُولُ: لَيْسَ فِيهَا وَجَعُ بَطْنٍ، وَلَا صُدَاعُ رَأْسٍ. وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: أَنَّهَا لَا تَغُولُ عُقُولَهُمْ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ {لَا فِيهَا غَوْلٌ} قَالَ: لَا تَغْتَالُ عُقُولَهُمْ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: لَيْسَ فِيهَا أَذًى وَلَا مَكْرُوهٌ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حُدِّثْتُ عَنْ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ سَالِمٍ الْأَفْطَسِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، فِي قَوْلِهِ {لَا فِيهَا غَوْلٌ} قَالَ: أَذًى وَلَا مَكْرُوهٌ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ الْقَزَّازُ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيعَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، فِي قَوْلِهِ: {لَا فِيهَا غَوْلٌ} قَالَ: لَيْسَ فِيهَا أَذًى وَلَا مَكْرُوهٌ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: لَيْسَ فِيهَا إِثْمٌ. وَلِكُلِّ هَذِهِ الْأَقْوَالِ الَّتِي ذَكَّرْنَاهَا وَجْهٌ، وَذَلِكَ أَنَّ الْغَوْلَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ: هُوَ مَا غَالَ الْإِنْسَانَ فَذَهَبَ بِهِ، فَكُلُّ مَنْ نَالَهُ أَمْرٌ يَكْرَهُهُ ضَرَبُوا لَهُ بِذَلِكَ الْمَثَلَ، فَقَالُوا: غَالَتْ فُلَانًا غُوْلٌ، فَالذَّاهِبُ الْعَقْلَ مِنْ شُرْبِ الشَّرَابِ، وَالْمُشْتَكِي الْبَطْنَ مِنْهُ، وَالْمُصَدَّعُ الرَّأْسَ مِنْ ذَلِكَ، وَالَّذِي نَالَهُ مِنْهُ مَكْرُوهٌ كُلُّهُمْ قَدْ غَالَتْهُ غَوْلٌ. فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَكَانَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ قَدْ نَفَى عَنْ شَرَابِ الْجَنَّةِ أَنْ يَكُونَ فِيهِ غَوْلٌ، فَالَّذِي هُوَ أَوْلَى بِصِفَتِهِ أَنْ يُقَالَ فِيهِ كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ {لَا فِيهَا غَوْلٌ} فَيَعُمُّ بِنَفْيِ كُلِّ مَعَانِي الْغَوْلِ عَنْهُ، وَأَعَمُّ ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: لَا أَذًى فِيهَا وَلَا مَكْرُوهٌ عَلَى شَارِبَيْهَا فِي جِسْمٍ وَلَا عَقْلٍ، وَلَا غَيْرَ ذَلِكَ. وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ {وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ} فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ وَبَعْضُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ (يُنْزَفُونَ) بِفَتْحِ الزَّايِ، بِمَعْنَى: وَلَا هُمْ عَنْ شُرْبِهَا تُنْزَفُ عُقُولُهُمْ. وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ: {وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزِفُونَ} بِكَسْرِ الزَّايِ، بِمَعْنَى: وَلَا هُمْ عَنْ شُرْبِهَا يَنْفَدُ شَرَابُهُمْ. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ صَحِيحَتَا الْمَعْنَى غَيْرُ مُخْتَلِفَتَيْهِ، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ، وَذَلِكَ أَنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ لَا يَنْفَدُ شَرَابُهُمْ، وَلَا يُسْكِرُهُمْ شُرْبُهُمْ إِيَّاهُ، فَيُذْهِبُ عُقُولَهُمْ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: لَا تَذْهَبُ عُقُولُهُمْ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزِفُونَ} يَقُولُ: لَا تَذْهَبُ عُقُولُهُمْ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزِفُونَ} قَالَ: لَا تُنْزَفُ فَتَذْهَبُ عُقُولُهُمْ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ {وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ} قَالَ: لَا تَذْهَبُ عُقُولُهُمْ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، فِي قَوْلِهِ {وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ} قَالَ: لَا تُنْزَفُ عُقُولُهُمْ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ {وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ} قَالَ: لَا تُنْزَفُ الْعُقُولُ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ} قَالَ: لَا تَغْلِبُهُمْ عَلَى عُقُولِهِمْ. وَهَذَا التَّأْوِيلُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَمَّنْ ذَكَرْنَا عَنْهُ لَمْ تُفَصِّلْ لَنَا رُوَاتُهُ الْقِرَاءَةَ الَّذِي هَذَا تَأْوِيلُهَا، وَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ تَأْوِيلَ قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَهَا يُنْزَفُونَ وَيُنْزِفُونَ كِلْتَيْهِمَا، وَذَلِكَ أَنَّ الْعَرَبَ تَقُولُ: قَدْ نَزَفَ الرَّجُلُ فَهُوَ مَنْزُوفٌ: إِذَا ذَهَبَ عَقْلُهُ مِنَ السُّكْرِ، وَأَنْزَفَ فَهُوَ مُنْزِفٌ، مَحْكِيَّةٌ عَنْهُمُ اللُّغَتَانِ كِلْتَاهُمَا فِي ذَهَابِ الْعَقْلِ مِنَ السُّكْرِ، وَأَمَّا إِذَا فَنِيَتْ خَمْرُ الْقَوْمِ فَإِنِّي لَمْ أَسْمَعْ فِيهِ إِلَّا أَنْزَفَ الْقَوْمُ بِالْأَلِفِ، وَمِنَ الْإِنْزَافِ بِمَعْنَى: ذَهَابِ الْعَقْلِ مِنَ السُّكْرِ، قَوْلُ الْأُبَيْرِدُ: لَعَمْرِي لَئِنْ أَنْزَفْتُمُوا أَوْ صَحَوْتُمُ *** لَبِئْسَ النَّدَامَى كُنْتُمُ آلَ أَبْجَرَا
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَعِنْدَ هَؤُلَاءِ الْمُخْلِصِينَ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ فِي الْجَنَّةِ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ، وَهُنَّ النِّسَاءُ اللَّوَاتِي قَصَرْنَ أَطْرَافَهُنَّ عَلَى بُعُولَتِهِنَّ، لَا يَرِدْنَ غَيْرَهُمْ، وَلَا يَمْدُدْنَ أَبْصَارَهُنَّ إِلَى غَيْرِهِمْ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ} يَقُولُ: عَنْ غَيْرِ أَزْوَاجِهِنَّ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ {وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ} قَالَ: عَلَى أَزْوَاجِهِنَّ، زَادَ الْحَارِثُ فِي حَدِيثِهِ: لَا تَبْغِي غَيْرَهُمْ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، فِي قَوْلِهِ {وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ} قَالَ: قَصَرْنَ أَبْصَارَهُنَّ وَقُلُوبَهُنَّ عَلَى أَزْوَاجِهِنَّ، فَلَا يُرِدْنَ غَيْرَهُمْ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: ذُكِرَ أَيْضًا عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ} قَالَ: قَصَرْنَ طُرَفَهُنَّ عَلَى أَزْوَاجِهِنَّ، فَلَا يُرِدْنَ غَيْرَهُمْ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ {قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ} قَالَ: لَا يَنْظُرْنَ إِلَّا إِلَى أَزْوَاجِهِنَّ، قَدْ قَصَرْنَ أَطْرَافَهُنَّ عَلَى أَزْوَاجِهِنَّ، لَيْسَ كَمَا يَكُونُ نِسَاءُ أَهْلِ الدُّنْيَا. وَقَوْلُهُ (عِينٌ) يَعْنِي بِالْعَيْنِ: النُّجْلَ الْعُيُونِ عِظَامَهَا، وَهِيَ جَمْعُ عَيْنَاءَ، وَالْعَيْنَاءُ: الْمَرْأَةُ الْوَاسِعَةُ الْعَيْنِ عَظِيمَتُهَا، وَهِيَ أَحْسَنُ مَا تَكُونُ مِنَ الْعُيُونِ. وَنَحْوَ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، فِي قَوْلِهِ (عِينٌ) قَالَ: عِظَامُ الْأَعْيُنِ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ (عِينٌ) قَالَ: الْعَيْنَاءُ: الْعَظِيمَةُ الْعَيْنِ. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ وَهْبٍ، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْفَرَجِ الصَّدَفِيُّ الدِّمْيَاطِيُّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ هَاشِمٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي كَرِيمَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْأُمِّ سَلَمَةَزَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ: قُلْتُ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِ اللَّهِ: (حُورٌ عِينٌ) قَالَ: "العِينُ: الضِّخَامُ الْعُيُونِ، شُفْرُ الْحُورَاءِ بِمَنْزِلَةِ جَنَاحِ النِّسْرِ"». وَقَوْلُهُ {كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ} اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الَّذِي بِهِ شُبِّهْنَ مِنْ الْبَيْضِ بِهَذَا الْقَوْلِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: شُبِّهْنَ بِبَطْنِ الْبِيضِ فِي الْبَيَاضِ، وَهُوَ الَّذِي دَاخَلَ الْقِشْرَ، وَذَلِكَ أَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَمَسَّهُ شَيْءٌ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ يَمَانٍ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، فِي قَوْلِهِ {كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ} قَالَ: كَأَنَّهُنَّ بَطْنُ الْبِيضِ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ {كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ} قَالَ: الْبَيْضُ حِينَ يُقْشَرُ قَبْلَ أَنْ تَمَسَّهُ الْأَيْدِي. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ} لَمْ تَمُرَّ بِهِ الْأَيْدِي وَلَمْ تَمَسَّهُ، يُشْبِهْنَ بَيَاضَهُ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ شُبِّهْنَ بِالْبَيْضِ الَّذِي يَحْضُنُهُ الطَّائِرُ، فَهُوَ إِلَى الصُّفْرَةِ، فَشُبِّهَ بَيَاضُهُنَّ فِي الصُّفْرَةِ بِذَلِكَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ {كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ} قَالَ: الْبَيْضُ الَّذِي يَكُنَّهُ الرِّيشُ، مِثْلُ بَيْضِ النَّعَامِ الَّذِي قَدْ أَكَنَّهُ الرِّيشُ مِنَ الرِّيحِ، فَهُوَ أَبْيَضُ إِلَى الصُّفْرَةِ فَكَأَنَّهُ يَبْرُقُ، فَذَلِكَ الْمَكْنُونُ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عَنَى بِالْبَيْضِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: اللُّؤْلُؤَ، وَبِهِ شُبِّهْنَ فِي بَيَاضِهِ وَصَفَائِهِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ {كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ} يَقُولُ: اللُّؤْلُؤُ الْمَكْنُونُ. وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ عِنْدِي قَوْلُ مَنْ قَالَ: شُبِّهْنَ فِي بَيَاضِهِنَّ، وَأَنَّهُنَّ لَمْ يَمَسَّهُنَّ قَبْلَ أَزْوَاجِهِنَّ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ بِبَيَاضِ الْبَيْضِ الَّذِي هُوَ دَاخِلُ الْقِشْرِ، وَذَلِكَ هُوَ الْجِلْدَةُ الْمُلْبَسَةُ الْمُحَّ قَبْلَ أَنْ تَمَسَّهُ يَدٌ أَوْ شَيْءٌ غَيْرُهَا، وَذَلِكَ لَا شَكَّ هُوَ الْمَكْنُونُ، فَأَمَّا الْقِشْرَةُ الْعُلْيَا فَإِنَّ الطَّائِرَ يَمَسُّهَا، وَالْأَيْدِيَ تُبَاشِرُهَا، وَالْعُشَّ يَلْقَاهَا. وَالْعَرَبُ تَقُولُ لِكُلِّ مَصُونٍ مَكْنُونٍ مَا كَانَ ذَلِكَ الشَّيْءُ لُؤْلُؤًا كَانَ أَوْ بَيْضًا أَوْ مَتَاعًا، كَمَا قَالَ أَبُو دَهْبَلٍ: وَهْيَ زَهْرَاءُ مِثْلُ لُؤْلُؤَةِ الْغَوَّا *** صِ مِيزَتْ مِنْ جَوْهَرٍ مَكْنُونِ وَتَقُولُ لِكُلِّ شَيْءٍ أَضْمَرَتْهُ الصُّدُورُ: أَكَنَّتْهُ، فَهُوَ مُكَنٌّ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ جَاءَ الْأَثَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ وَهْبٍ، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْفَرَجِ الصَّدَفِيُّ الدِّمْيَاطِيُّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ هَاشِمٍ عَنِ ابْنِ أَبِي كَرِيمَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أُمِّهِ، عَنْأُمِّ سَلَمَةَ"قُلْتُ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ {كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ} قَالَ: "رِقَّتُهُنَّ كَرِقَّةِ الْجِلْدَةِ الَّتِي رَأَيْتِهَا فِي دَاخِلِ الْبَيْضَةِ الَّتِي تَلِي الْقِشْرَ وَهِيَ الْغِرْقِئُ"» وَقَوْلُهُ {فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَأَقْبَلَ بَعْضُ أَهْلِ الْجَنَّةِ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ، يَقُولُ: يَسْأَلُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا. كَمَا حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ} أَهْلُ الْجَنَّةِ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ {فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ} قَالَ: أَهْلُ الْجَنَّةِ.
|